اخوانى وأخواتى الأعزاء هذه القضية ليست قضية بلد ما بمفرده بل قضية معظم بلاد وطننا العربى، وهى قضية ثقافة عامة تحتاج الجهد العظيم من كل المهتمين بها لتغيير النظرة الى مواد التربية الفنية والفنون عامة، فلو حدث وتم تغيير هذه النظرة فسوف تجد مادة و معلم التربية الفنية على قمة الهرم التعليمى، وقد كان لى فى هذا الأمر طرح بدأته منذ أكثر من عام وهو مشروع التذوق الفنى وتنمية الوعى الجمالى ،قصدت به زيادة الوعى بأهميةالفن فى حياتنا لدى الأفراد غير المتخصصين، وبفضل الله قد أتى ثماراً لم أكن لأتصورها مع كل من حضر معى هذا المشروع ، وأرسل اليكم هذا المشروع لعله يجد من يهتم به أو يسترشد به مع امكانية تعديله كل حسب رؤيته .

تذوق الفنون و تنمية الوعى الجمالى
مقدمة:
يتلخص هذا الموضوع في الدعوة إلى تذوق الفنون و تنمية الوعى الجمالى ، لما لهذا الموضوع من أهمية فى تشكيل وجدان الفرد، وذلك من خلال إعداد برنامج مكون من أربع محاضرات، تحتوى كل محاضرة على مادة مبسطة لموضوعات مختلفة عن الفنون التشكيلية، يمكن من خلالها إعداد متلقي مثقف يستطيع تذوق العمل الفني، والاستمتاع به والاستفادة منه فى شتى مجالات الحياة، وذلك بعد أن لوحظ الغربة الشديدة والعميقة بين الفنان والمجتمع. وانغلاق الفنانين على أنفسهم بعد أن أصبحوا هم المنتج للفن وهم المتلقي أيضاً في معظم الأحيان، و تعالوا بفنهم على المجتمع. وأصبح لديهم فكرة رائجة وهى أنه كلما كانت لوحاتهم غير مفهومة لدى المتلقي كان هذا دليل على تفوقهم. وأدى ذلك فى المقابل إلى عزوف عديد من الأشخاص عن الذهاب إلى المعارض الفنية أو حتى الاستماع إلى أحاديث الفنانين عن أعمالهم الفنية، مما نتج عنه غياب الوعى الفنى وانتشار الذوق الهابط لدى كثير من أفراد المجتمع، ولم يعد سوى نسبة قليلة من الأفراد هى التى تهتم أن تحيا في مكان منسق يتسم بالذوق والجمال، وأصبحنا نسكن في كتل خرسانية مؤذية للصحة وللنفس، وأيضاً للعين التي أصبحت هى الأخرى غير معتادة على رؤية الجمال، وبالتدريج أصبحت مدننا خالية حتى من النظافة، وامتلأت الشوارع بكل ألوان القذارة بدلاً من ألوان الجمال التي يجب أن تكون موجودة، وترتب على ذلك أيضاً عدم النظام وغيرها من السلبيات الكثيرة التي جدت على مجتمعاتنا العربية و الإسلامية والتي تنافى أبسط قيم الدين. ويرد ذلك كله لعدم تعودنا على الاستمتاع بالجمال و كيفية تذوقه.والذي لو حدث لأصبحت الحياة أفضل، والعمل أمتع، وحتى العبادة ستكون أقوى.

وتهدف هذه المحاضرات فى النهاية إلى التأكيد على أن أى تقدم أو نهضة بشرية يجب أن تكون مصحوبة بشكل من أشكال الفنون يكون هو الإعلام الحقيقى عن تلك النهضة والممثل المرئى والناقش لها فى وجدان الشعوب، وهناك كثير من الأمثلة التى تدلل على ذلك، وليس هناك مثل ـ بعد الحضارة المصرية القديمة والدور الذى لعبه الفن فى تعريف هذا التراث الحضارى إلى العالم ـ أفضل من فنون الحضارة الإسلامية التى صاحبت نهضة الحضارة الإسلامية، وعبرت عن فلسفة الدين الإسلامى، والتى كان من أثرها أن أصبحت إلى الآن إعلام حى عن الحضارة الإسلامية فى الأندلس، وفى العصر الحديث شجع نابليون بونابرت ظهور شكل جديد للفنون فى أوروبا يواكب ثورته على الملكية ويعبر عنها، والتى كان لها الأثر البالغ بعد ذلك فى ظهور مذاهب فنية مواكبة للأحداث العلمية و العالمية سواء بمساندتها أو بالاعتراض عليها.

مشروع تذوق الفنون و تنمية الوعى الجمالى:

يتكون هذا المشروع من عدة محاور أساسية تتضافر بعضها البعض يجب العمل عليها، من خلال إقامة ندوات ومحاضرات لرفع مستوى الوعى الفني، تكون مواضيع التذوق الفنى و تنمية الوعى الجمالى هى الأساس التى تقوم عليه، كخطوة لنشر وتنمية الثقافة البصرية وتذوق الفنون التشكيلية. ومحاولة إبراز أهمية تأثير الفن التشكيلى على المجتمع، وإظهار خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه من فقد للحس الجمالى.على أن يحاضر فيها كبار الفنانين التشكيليين ومن لهم خبرة فى هذا المجال، وذلك في الجامعات و النوادي ومراكز الشباب والجمعيات الأهلية والمداس الثانوية، وغيرها من أماكن تجمع الشباب، وفى أجهزة الإعلام المختلفة.
هذا ويجب تعريف الأسر من خلال الندوات والمحاضرات المختلفة بأن ممارسة النشء للفنون التشكيلية مثل الرسم والتصوير وغيرها ليست من قبيل تضييع الوقت، وإنما يجب أن تكون بجانب استذكار الدروس، حيث أنها لا تقل أهمية عن غيرها في تكوين الشخصية السوية، لما للفن من دور هام فى سمو المشاعر والرقى بها. وللدور العظيم الذى يلعبه في حماية النشء من كثير من الأخطار،
وتتلخص موضوعات المحاضرات فى الآتى:

• المحاضرة الأولى:
التكوين فى العمل الفنى
وهو استلهام من إبداعات الله ” عز وجل” . فقد يظن الفنان عند إنتاجه لعمله الفنى أنه قد أبدع شيئاً، غير أن الأصـح هو أنه قد قام بتجميع عناصـر استلهمها من إبداعات الله ” عز وجل” ـ كما ذكرنا ـ وجدها فى الطبيعة، ليضعها فى ترتيب أو تنظيم معين اقتبسه أيضاً من الطبيعة وترسب لديه فى اللاشعور.
وإذا كان التكوين يعنى نظاماً إنشائياً، والنظام الإنشائي يدخل ضمن العلاقات المرئية، فالمحاضرة الأولى تحتوى على ثلاث من أهم عناصر التكوين فى العمل الفنى وهى على الترتيب:
النقطة: وهي أبسط العناصر التي يمكن أن تدخل في أي تكوين. وإدراك القيمة التنظيمية للنقط مثل اختلاف أنواعها و مساحاتها ودرجاتها وألوانها ووضعها على السطح وعلاقتها مع وضع النقط الأخرى والذى ينتج عنه حلولاً جمالية كثيرة.
الخط: وهو لا يعدو كونه سلسلة من النقط المتلاصقة، ولكونه ينتج من نقطة قد تحركت في اٍتجاه ما، لذلك فالخط معبأ بطاقة وقوى حركية كامنة تجرى في هذا الاٍتجاه وتتجمع في نهايتي الخط سواء كان مستقيماً أم منحنياً.
وينبثق عن الخطوط المختلفة في التكوين أو التصميم أحاسيس مركبة تثير لدى المشاهد إحساس بالثبات أو الترقب و التوتر، من خلال الأوضاع المستقرة للخطوط الرأسية أو الأفقية، أو التصاعدية أو التنازلية فى الخط المائل، أو معنى الاسـترخاء والضـعف فى الخط المنحنى أو المستدير.
المساحة: وهي أداة البناء في العمل الفني. وإذا كان من وظائف الخط أنه يحدد الأشـكال إذاً فالخط يحصـر بين علاقاته مساحة، والمساحة هي ذلك المسطح المحـدد بين الخطـوط التي تتجه إاتجاهات مختلفة. ويرتبط توزيع المساحات بطبيعة موضوع العمل الفني والأسلوب الذي يعبر عنه الفنان من خلال هذا الموضوع. وهى أيضاً لغة يمكن أن تحدث تعبيراً كلما أحكم صياغتها، وربطها بعضها ببعض.

• المحاضرة الثانية:
دراما اللون (اللون كعنصر من عناصر التشكيل)
ويعرف اللون بأنه ذلك الإحساس البصرى المترتب على اختلاف أطوال الموجات الضوئية فى الأشعة المنظورة. ويترتب عليه إحساس العين بألوان مختلفة بادئة من الأحمر ( أطول الموجات ) ومنتهية باللون البنفسجى ( أقصر الأطوال ).
وتشمل المحاضرة مدلولات الألوان وتأثيراتها فى نواحى الحياة المختلفة من مأكل وملبس ومسكن، وكذلك ارتباط الألوان بالمعانى فى القرآن الكريم، وعلاقة ذلك فى التشكيل والدراما.
• المحاضرة الثالثة:
مذاهب الفن التشكيلى
تعددت مذاهب الفن التشكيلى فى أوروبا بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 م، وكانت بداياتها مع ظهور " الكلاسيكية الجديدة " التى استمدت مقوماتها من الفنون الإغريقية الرومانية، لتتوالى الحركات الفنية فى الغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر فظهرت " الرومانتية " كاتجاه يهدف إلى التأكيد عن التعبير النفسى والعاطفى وكأسلوب معارض للبحث التقليدى عن القيم الجمالية فى الأعمال الفنية.
وفى أوائل القرن التاسع عشر بدأ الفنانون فى الخروج من مراسمهم إلى الطبيعة لرسم المناظر الطبيعية كموضوع مستقل، ينقلون ما يشاهدونه بدقة كلاسيكية، وينفعلون بما فى الطبيعة من جمال، بعيداً عن الخلفيات الطبيعية التى كانت تظهر مع لوحات الأحداث التاريخية، وعرف فنانو هذا المذهب باسم "مصورو الطبيعة الرومانتيون ".
وفى منتصف القرن التاسع عشر ظهرت حركة فنية عرفت بالحركة "الواقعية " مهدت إلى انتقال التصوير الي النزعة التأثيرية، وجاءت كرد فعل للمذهب الرومانتى الذى ناهض المذهب الكلاسيكى الجديد، وتناول فنانوها موضوعات من الحياة اليومية تعرض مشاكل المجتمع والطبقة الكادحة.
ليأتى بعد ذلك المذهب " التأثيرى " بما يحمل من معانى ومفاهيم خضعت للعلم وتأثرت بالاكتشافات الحديثة فى ذلك الوقت خاصة فى مجال الضوء.
وامتداداً و تطوراً للحركة التأثيرية ظهرت " التأثيرية الحديثة " فى منتصف الثمانينات، حيث اتجه المجددون إلى أسلوب جديد فى تلوين المرئيات عن طريق رسم بقع صغيرة جداً متساوية من ألوان كثيرة مستمدة مـن ألـوان الطيف.
ثم بعد ذلك ظهرت حركة معارضة لكلاً من التأثيرية والتأثيرية الحديثة فـى طريقـة الرؤية التى تعتمـد علـى الضوء وتأثيـره علـى المرئيات عرفت باسم "ما بعد التأثيرية "، ومهدت هذه الحركة للتغيير الشامـل فـى مفاهيـم الفن الحديـث ومهدت لظهور المذهب التكعيبى والمذهب الوحشى فى أوائل القرن العشرين.
وفى عام 1885ظهر تيار التعبيرية كرد فعل للتأثيرية وما بعدها من اتجاه موضوعى، حيث أهمل الفنانـون فيها الحقيقـة الواقعيـة التى تراها العيـن لمصلحـة التعبير النفسـى الداخلـى، وبذلك تصير اللوحة رمزية لتجارب شخصية بدنية أو ذهنيـة أو روحيـة.
و كان لانتشار مبادىء الاشتراكية وقيام الحركات التحررية أثر فى ازدياد اهتمام جيل شباب تلك الفترة بتقديس الفردية، لتنعكس تلك التطورات التى ظهرت فى المجتمع على الفن فى تلك الفترة فتحرر الفنان من التقاليد الفنية التى كانت متبعة من قبل، وبدأ طريقاً جديداً لم يتقيد فيه بأشكال المرئيات وألوانها. واندفع الفن اندفاعاً غير عادى وراء كل جديد.
ونشأت فكرة العودة إلى البساطة الموجودة فى الفنون المتحررة كالفن الإفريقى والبدائى والفطرى وفنون الأطفال، ليشهد مطلع القرن العشرين تحطم الأشكال الطبيعية وتحريفها. وظهور الحركة " الوحشية " (1900ـ 1910) فى باريس بما تمثله من اتجاهاً ثورياً جديداً فى استخدام الألوان الغير ممزوجة مباشرة على اللوحة، وتصميم الأشكال على أساس التسطيح والألوان القوية. واستمدت نظرياتها من أسلوب " فان جوخ " ذى الألوان الصارخة.
كان للتطور الحضارى فى مطلع القرن العشرين أثره فى ظهور الحركة التكعيبية فى فرنسا كابتكار جديد للتعبير عن تصور جديد للفن يلائم هذا التطور الذى يحدث فى العالم. فاستبدلت التأثيرات البصرية على سطوح الأشكال التى اهتم بها التأثيريون بتصور عقلانى متفهم للشكل، وتمكنوا من رؤية مكعبات ومخروطات واسطوانات فى الأشكال الطبيعية، واتجهوا إلى التحرر من الشكل كما تحرر الوحشيون من الألوان الطبيعية.
ظهرت فى ايطاليا أوائل القرن العشرين حركة فنية متصلة فى بعض نواحيها بالتكعيبية عرفت باسم الحركة " المستقبلية " ( 1909 ـ 1916 ) كدعوة مناهضة لرجعية الفن وعدم مقدرته على مسايرة تطورات العلم الحديث، كالتعبير عن الحركة فى نطاق البعد الزمنى، حتى لا تكون الحركة ساكنة، بل تتكاثر الأشكال فى اتجاه الخطوط المندفعة، وكأنها تبحث عن البعد الرابع.
وعلى أثر الفوضى التى خلفتها الحرب العالمية الأولى فى المجتمعات الإنسانية ظهرت فى سويسرا(1916 ـ 1921) حركة فنية مضادة للفن التقليدى الذى يتميز بالقيم الجمالية، ضاربة بتلك القيم المتوارثة عرض الحائط ليخرجوا لنا أعمالاً شاذة تحارب الفن، وعرفت حركتهم باسم " الدادية وكانت لوحاتهم تضم آلات وأدوات منزلية ليس لها معنى، مما أثار فضيحة واشمئزازاً بين الجماهير فى حينها.
ومن الملاحظ أن التصوير منذ بداية القرن العشرين كان يخطو بخطوات ثابتة تجاه التجريد بداية من التأثيرية على يد "سيزان" مروراً بالتكعيبية التى صاغت الأشكال بعد تفكيكها فى أسلوب هندسى جديد، ثم التحرر من التكعيبية ورسم أشكال متناسقة يتم فيها تجريد الأشكال الطبيعية إلى مفردات أولية من خلال الشكل والخط واللون، أطلق عليها " التجريدية التعبيرية ".
لتصل فى النهاية إلى رسم أشكال مجردة متناسقة ليست لها ارتباط بأى نوع من النماذج الطبيعية، لذلك أطلق عليها أيضاً الفن اللاموضوعى أو " التجريدية الهندسية ".
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وعودة السلام إلى البشرية، لجأ الفنانون إلى البحث فى أساليب مبتكرة لم تطرق من قبل، وتوصلوا إلى أسلوب جديد علمى يهدف إلى البحث فى الظواهر اللاشعورية للنفس وعرفت هذه الفلسفة الخيالية بالحركة " السريالية " تأثر فيها الفنانون بنظريات " فرويد " عالم التحليل النفسى لتلعب دوراً هاماً فى مفهوم الفن فى ذلك الوقت فى مختلف أنحاء العالم.
وما لبثت أن اختفت الحركة السريالية بعد الحرب العالمية الثانية والتى كانت قد ازدهرت فى العقد الرابع، حيث بدأ العالم يعيد الاهتمام بالفن التجريدى الذى أخذ مركز الصدارة منذ تلك الفترة وحتى قبل نهاية القرن العشرين بقليل.

• المحاضرة الرابعة:
أهم ملامح الشخصية المصرية من خلال الفن المصرى القديم
وتتناول هذه المحاضرة عدة نقاط أهمها
ـ عقيدة الخلود بعد الموت
ـ أسطورة إيزيس و أوزوريس
ـ الكتابة الهيروغليفية ( النقش المقدس )
ـ التمثال وتحقيق لفكرة دينية
ـ النظرة المستقيمة فى التصوير والنقش البارز
وذلك حتى نصل إلى أن:
* المصرى بطبعه إنسان متدين وصل إلى قمة الحضارة الإنسانية بتمسكه بدينه وقيمه التى تجلت واضحة من خلال فنه.
*المصرى القديم بطبعه متزن وهى صفة تؤكد فطريته ، ولم يكن وثنياً يعبد التماثيل، ولكن وجود التمثال فى حياته تأكيد لفلسفته الدينية فى الاعتقاد بالبعث والخلود ، فقد استخدم الفن لخدمة الدين .
* مصر أول دولة في العالم القديم عرفت قيمة العلم والفن بابتداع الحروف والعلامات الهيروغليفية و مبادئ الكتابة، وبالفن أمكنها تسجيل علومها والاستفادة منها.
* تجلت أهمية العلم والتعلم عند المصرى القديم فى حرصه علي تدوين وتسجيل تاريخه والأحداث التي صنعها وعاشها. وبذلك انتقلت مصر من عصور ما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب. حتى أن العديد من أصحاب القبور منذ عهد خوفو حتى العصر المتأخر، حرصوا على تصوير أنفسهم في جلسة القارئ أو الكاتب.

د/ أشرف فتحى عبد العزيز
أستاذ الفنون والديكور المساعد
ووكيل كلية التربية لخدمة المجتمع وتنمية البيئة
جامعة قناة السويس